الإعلام.. خبز أم حرية؟! علاء الغطريفى

عندما ذهب الإعلام المقروء والمرئى بالمصريين إلى لحظة يونيو لإقصاء الإخوان الذين أرادوا سرقة الوطن للجماعة، بدأت أصوات تطرح قضية كيف نتحدث عن الديمقراطية ومن ثم حرية الرأى والتعبير دون المسئولية تجاه دولة تنهار وتحاول استعادة سيطرتها على أراضيها ومواطنيها؟ ومن هؤلاء المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى الذى قال لرؤساء التحرير: «حديث الصحف ووسائل الإعلام عن الديمقراطية فقط، دون النظر إلى المشكلات والتحديات المحيطة بالمجتمع، يخلق حالة من الشك والإقلاق للمجتمع، وسيقودنا فى النهاية إلى أن مصر ستتقطع»، بالتأكيد نحتاج إلى تفسير أكثر تفصيلاً من المرشح الرئاسى عما يعنيه هذا الكلام، فالحرية المسئولة لا يختلف عليها اثنان، فتحميل الإعلام ما لا يحتمل مسألة لا بد من إثارتها للنقاش، فإذا كانت السياسة فى الفضائيات فقط، فهى حالة فرضها غياب الأحزاب، ومن ثم بدلاً من إلقاء اللوم على الإعلام ينبغى أولاً الاجتهاد لبناء السياسة من جديد فى مصر!

الإعلام المقروء والمرئى تصديا لمشكلات كثيرة فى مصر واجتهدا فى قضايا تتعلق بالمستهلك وصالح المواطن وكشفا عورات أنظمة وإهمال حكومات وساهما فى إسقاط حاكمين مستبدين فى 3 سنوات، إذن لم يكن الإعلام جلاداً بل كان معولاً لهز أركان الظلام والقهر والاستبداد والفساد، الإعلام ليس مبرأ من الأخطاء، لكنه ليس كل المشكلة، فهناك مجتمع تسوده الأمية بدءاً من الجهل بالقراءة والكتابة حتى الأمية المعرفية، وانتهاء بنخبة حاكمة تعودت على أكسجين المصالح، فالإعلام لن يعمل بدلاً من الحكومة ولن يكون مدلساً لدعم نظام أو طريقة حكم، بل هو مجتهد نشيط -أقصد هنا صوت الإعلام النبيل- يسعى لاستعادة الدولة من خلال أدواته ولكن بمشروطية التزام الآخرين بحماية حريته، لدينا القانون ليحاسب من يخطئ دون اللجوء لنصوص القمع الفضفاضة التى تبطن سماً وفى ظاهرها عسل يقدم للجماهير فى وعاء المصلحة الوطنية وظروف الواقع والتحديات.. إلخ من قاموس التبرير الحكومى!!

وإذا كانت هذه هى رؤية المرشح فإننا إزاء تسليم بأن الإعلام لا بد أن يلتزم وجهة واحدة ونسقاً واحداً بالنظر إلى تحديات اللحظة الراهنة، والنسق له معانٍ عديدة فنظرتنا كإعلاميين لعملنا تختلف بالتأكيد عن نظرة رجل الدولة الذى تعود على الكتمان، البحث عن الخبز لا يعنى نسيان الحرية، والحرية لا تعنى التظاهر وتعطيل مصالح العباد فحسب، بل هى مكتسب لا بد أن يراعى المسئولية الوطنية، ومن ثم فلا بد من اجتهاد مرشح الضرورة للوصول إلى صيغة وقبلها مراجعة أجندته للوصول إلى إجابات عن: كيف نجمع بين الخبز والحرية؟ كيف نجمع بين العدل والدولة القوية؟ كيف نجمع بين الإتاحة ومقتضيات الأمن القومى؟ كيف نجمع بين البناء وملاحقة الفاسدين؟ كيف نجمع بين الواجب والمسئولية؟ كيف نجمع بين حق الاعتراض وفكرة الاستقرار؟

الإعلام ليس سيدة فاضلة فى زمن، وبعدما انتفت الحاجة إليها فى زمن آخر تحولت إلى عاهرة إما أن توأد أو تدخل الحظيرة، يا مرشح الضرورة.. عليك آمال كبيرة فلا تخيب فيك رجانا، فالإشارات السلبية كثرت ولا نريد للرصيد أن ينفد، فالزعامة غير الرئاسة، فللأولى أحكام مثل العشق والهوى، أما الثانية فلها التزامات ومسئوليات!

سنكرر النصح إذا كان هناك من ينتصح، لا نريد سيولة ثورية وفى الوقت نفسه لا نريد سيولة استبدادية، إنها لحظة الحقيقة فأدرِكْها يا رئيس مصر المقبل!