تقرير خاص | لماذا على برشلونة وريال مدريد وأتلتيكو مدريد أن يقلقوا من يوم تاريخي لفالنسيا ؟

قرير خاص عن حدث ربما يجعل فالنسيا جنباً إلى جنب مع أتلتيكو مدريد في مهمة المزاحمة الدائمة لكبيري الليجا...
تقرير | زكرياء عالم GOAL

في الوقت الذي كان الجميع يستعد فيه لإعلان بطل جديد لليجا -وضح بعدها أنه أتلتيكو مدريد- أخيرًا استوت سفينة فالنسيا -الذي كان آخر نادٍ يكسر هيمنة الريال والبرسا على لقب الليجا- على جوديّ مستثمر بعد عقد كامل تقريبًا من التخبطات في الديون. اليوم كانت آخر حلقات عملية بيع %70 من أسهم نادي فالنسيا بعد عدة أشهر من الشد والجذب بين بنك بنكيا من جهة وبين نادي فالنسيا ومؤسسة فالنسيا (المالك الأكبر للأسهم وقتها) من أجل بيع حصة الأخيرة من الأسهم لأحد العروض المقدمة. ولكن كيف بدأت القصة أصلاً؟

كيف بدأت قصة أزمة فالنسيا ؟
حتى نعرف قصة البيع يجب أن نعرّج على قصة الأزمة المالية أولاً. القصة بدأت حينما استلم جوان باوتيستا سولير أسهم نادي فالنسيا كهدية من أبيه، الرجل كان طموحًا في تصريحاته "مغفلاً" في تصرفاته، حيث جازف في العديد من الأمور وأبرزها الصفقات حيث اشترى العديد من اللاعبين بأثمنة فلكية (بالنسبة لفالنسيا) كزيجيتش ومانويل فيرنانديز وبانيجا بـ 18 مليون يورو لكل واحد منهم، الأولان لم يقدما شيئًا يذكر والثالث جنن النادي بتصفراته فأرسله معارًا إلى فريقه المحبوب نيويلز؛ صفقات أخرى كخواكين اللاعب الأغلى في تاريخ النادي بـ 25 مليون يورو وغيرها، هذا بالتزامن مع غياب الألقاب وسوء الإدارة المالية. ولكن الخطأ الأبرز في عهد سولير كان الإقدام على مشروع بناء ملعب جديد حيث طمح الرئيس إلى أن يكون قفزة نوعية للنادي، فاستلم قرضًا ضخمًا من بنكيا برهن ممتلكات النادي مع الأمر ببيع أراضي المستايا القديم بثمن كبير نظرًا لقيمتها وموقعها. ولكن شاءت الأقدار أن يتزامن هذا مع الأزمة المالية إذ ارتفعت أسعار مواد البناء وانخفضت أسعار العقار فخسر النادي خسارة كبيرة جدًا ولم يجد ما يسدد به الديون التي وصلت في وقت من الأوقات لما يقارب 500 مليون يورو منها ما يقارب 250 مليون يورو قريبة الأجل.

بعد سولير وعن طريق عدة رؤساء حاول النادي بيع أراضي المستايا بثمن معقول ولكنه لم يجد مشتريًا يدفع فتخبط فالنسيا إداريًا ورياضيًا ومن باب أولى ماديًا إذ لم يتمكن سنة 2008 حتى من دفع رواتب اللاعبين الذين ردوا بأفضل الردود، بالفوز بآخر الألقاب التي دخلت خزينته وهو كأس الملك.

في 2009 حان موعد تسديد جزء من الديون فقام نادي المستايا بمناورة لم يتوقعها الكثيرون إذ قرر القيام بتوسيع لرأس المال وأنشأ مؤسسة أسموها مؤسسة فالنسيا التي اقترضت أزيد من 75 مليون يورو من بنكيا (الدائن الأكبر للنادي) وذلك من أجل شراء الأسهم التي ستنتج عن طريق توسيع رأس المال هذا، ولها الحق في الاقتراض لأنها مؤسسة جديدة ليس عليها ديون. هكذا خرج النادي من ذلك المأزق وأصبحت مؤسسة فالنسيا هي المالك الأكبر لأسهم النادي بنسبة %70، ولكنها مدينة للبنك هي الأخرى برهن الأسهم نفسها.

ثم جاء مانويل يورينتي المعروف بقوته ليرأس النادي فاتخذ سياسة بيع اللاعبين للخروج من الأزمة فباع نجومًا كبارًا كفيا وسيلفا وماتا وخواكين وبابلو هيرنانديز وغيرهم ولكن الفريق مع ذلك كان في كل مرة يحصل على مركز مؤهل لدوري الأبطال. غير أن هذا لم يشفع لهذا الرئيس لأن الجماهير لم تحتمل خسارة كل نجم يظهر لديهم وخاصة أبناء مدرسة النادي كإيسكو وآلبا وألبيول، فاتهمته بالعمالة لبنكيا لأنه يضيع مصالح الفريق من أجل البنك ورد ديونه، غير أن هذه الديون انخفضت إلى 270 مليون يورو في أربع سنوات.

بنكيا يستحوذ


جماهير فالنسيا تحملت مأساة رؤية النجوم يباعون الواحد تلو الآخر لخدمة الدين

بدأت حقبة الرئيس الحالي أماديو سالفو بعدما أصبحت مؤسسة فالنسيا غير راضية عن يورينتي وعن سياسته فتم تعيين أماديو سالفو وهو واحد من أعضاء المؤسسة. قدوم سالفو جاء بالتزامن مع وقت دفع فوائد ديون مؤسسة فالنسيا (التي اشترت عن طريقه أسهم النادي) والمؤسسة لا تملك مصدرًا للمال، فأصبح للبنك الحق في أن يستحوذ على أسهم النادي، ولكنه قرر بيع الديون لتبدأ عملية البيع.

العملية عرفت مرحلتين، مرحلة فاشلة وأخرى ناجحة. ولكن للشرح، فقد كان بإمكان بنكيا الاستحواذ على أسهم النادي باعتبار أنها ما تم رهنه لأخذ القرض، ولكنه إن قرر تفعيل هذا الحق فسيكون لدى المؤسسة شهر كامل من أجل أن تبيع لمن تشاء تلك الأسهم دون تدخل. لهذا قرر البنك أن يحاول المشاركة في البيع بل وقيادة عملية البيع فأعلن عن العملية في شهر ديسمبر المنصرم لاستقبال العروض، وتم تأجيله إلى أواخر يناير، فوصلت بعض العروض فعلاً ولكن البنك تستر عليها ولم يطلع النادي ولا المؤسسة عليها وكأنه يرغب في البيع بشكل منفرد. هذا جعل أماديو سالفو ينتفض ويغضب ويستدعي جماهير فالنسيا والمساهمين والجميع إلى جمعية عامة شهيرة في المستايا يوم 24 يناير حيث أعلن الحرب على بنكيا وقال للمسثمرين إن عليهم أن "يعوا أن بنكيا لن يبيعكم سوى الديون، وبالديون لن تملكوا النادي، من يريد الأسهم عليه أن يأتي إلى هنا، إلى نادي فالنسيا وإلى مؤسسة فالنسيا فنحن من يملك الأسهم وليس بنكيا". وثرب على البنك نظرًا لانعدام الشفافية إذ إن مالك الأسهم لا يعلم شيئًا عن العروض المقدمة من أجل أسهمه وديونها. هذا الخطاب جعل الجماهير تلتف أكثر على سالفو فلم يشهد تاريخ فالنسيا الحديث إجماعًا على رئيس من قبل الجماهير كما شهده إجماعها على سالفو وعلى جاومي أورتي في سنوات المجد.

يبدو أن أصحاب العروض ترددوا بعد سماع كلام سالفو القوي ورؤية تأييد الجماهير له، فلم يكن لدى بنكيا بد من أن يذعن فأسلم مقادة العملية إلى مؤسسة فالنسيا كمالك للأسهم. المؤسسة بدأت عملية جديدة بفترة جديدة لاستقبال العروض خلال شهر فبراير ومارس، بعدها سيتم دراسة العروض وغربلتها ومحاولة الوصول إلى اتفاق حول عرض واحد يكون الأفضل للجميع، وفي مرحلة ثالثة، وبعد أن يتم اختيار العروض الأفضل وحبذا لو كان عرضًا واحد يتم التصويت عليه من طرف أعضاء مؤسسة فالنسيا في جمعية عامة لتنتهي العملية ويكون الإعلان الرسمي.

في بداية شهر أبريل فتحت ملفات العروض وبدأ السباق نحو الأسهم بينهم. مبدئيًا كان هناك بيتر ليم السنغافوري، مجموعة واندا الصينية، صندوق سيربيروس الأمريكي، مجموعة زولوتايا الروسية، ألفارادو اللاتيني إضافة إلى عرض سعودي انسحب لأن شروط البيع لم تعجبه متمنيا التوفيق للنادي. عملية الغربلة امتدت وطالت بسبب كثرة التفاصيل في العروض وبسبب قوتها وأيضًا بسبب وضعية الفريق في اليوروبا ليج، فتقرر تأجيل اتخاذ القرار بإعلان العروض الأفضل إل يوم 12 مايو، بينما الجمعية العامة للتصويت على العرض الفائز تكون يوم 17 مايو.

خلال الأسابيع الماضية شهدت العملية شدًا وجذبا كبيرين جدًا من أجل الوصول إلى اتفاق. تم استبعاد عدة عروض لضعفها انتهت باستبعاد ألفارادو الكوستاريكي. البنك كان يفضل سيربيروس لأنه سيدفع ديونه كاملاً وقد يعطيه امتيازات أخرى في العقارات التي يملكها فالنسيا، وكان يطمح لأخذ النادي وتعيين القيدوم ألبيلدا كمدير رياضي أو ربما استعمله لجلب الجماهير فقط. بينما النادي كان يفضل بيتر ليم لأن استثماره في الجانب الرياضي كبير، وأيضًا واندا لأن العرض جيد من الناحية الاقتصادية بالنسبة للنادي وخاصة فيما يخص بناء الملعب الجديد. بينما العرض الروسي كان قويًا كفاية ليبقى وكان يطمح لوضع أماديو كاربوني على رأس النادي. كان لدى أصحاب العروض فرصة من أجل رفع عروضهم في أجل أقصاه يوم 5 مايو، ففعل بيتر ليم ليصبح عرضه الأبرز من الناحية الرياضية، وفعل واندا ليصير عرضه الأبرز من الناحية الاقتصادية، وفعل سيربيروس ليصبح عرضه الأقوى من ناحية دفع الديون، أما الروس فقد تأخروا في رفع عرضهم لهذا لم يكن ذلك مقبولاً. الاجتماعات لم تسفر عن توحد للرؤى بين الأطراف الثلاثة إضافة إلى طرف رابع وهو حكومة فالنسيا، فلم يتمكنوا من الاتفاق على عرض واحد يرضي الجميع، ومع هذا قامت مؤسسة فالنسيا باستدعاء الجمعية العامة كما كان مقررًا يوم 17 مع أن المخاوف شابت من أن تتوقف وتتعثر العملية، ولكن هذا لم يحدث.

يوم الحسم

اليوم كانت الحلقة الأخيرة، فبعدما قدمت مؤسسة بيرس تقريرها وهي المؤسسة التي تعاقد معها النادي من أجل تحليل العروض واختيار الأفضل، وبعد التصويت الأولي تم استبعاد سيربيروس مباشرة حيث إن المؤسسة رأت أن عرضهم استغلالي انتهازي للنادي؛ حاول أصحاب العرض الروسي رفع عرضهم في آخر لحظة إلا أن هذا رُفِض كما أشرنا فبقيت المنافسة بين واندا وبيتر ليم الذي فاز إجماع الأصوات إذ صوت له كل الحضور الاثنين والعشرين.

هكذا فاز السنغافوري، وهو الرجل الذي لطالما حلم بامتلاك ناد رياضي يستثمر فيه وينافس به. وجدير بالذكر أن بيتر ليم يملك عقود ثلاثة لاعبين من بنفيكا وهم: أندريه جوميز، رودريجو وجاراي، ويمكن لفالنسيا الاستفادة من خدماتهم الآن مباشرة. أما تفاصيل مشروع بيتر ليم فهي كالتالي:

- ليم سيضع أراضي المستايا الحالي في السوق بثمن أقله 150 مليون يورو. في حالة ما إذا لم يكن هناك أي عرض أكبر من 150 مليون فإنه سيشتري الأراضي بنفسه لتصبح ملكا له. بالـ 150 مليون يورو سيقوم بإكمال الملعب.

- الملعب سيتم افتتاحه سنة 2019 كحد أقصى، أي في مئوية النادي.

- ليم سيدفع ديون المؤسسة كاملة دفعة واحدة مباشرة.

- ليم سيقوم بدفع جزء من ديون فالنسيا لبنكيا وسيقوم بإعادة تمويل الباقي.

- هكذا سيصبح ليم هو الدائن لفالنسيا، ولكنه في الوقت نفسه المالك وسيسعى لاستعادة ماله طبعًا (مثل كل العروض) ولكنه الوحيد تقريبا الذي لن يفرض أية فوائد على الديون التي سيشتريها. مارتينيز يتوقع أن البنك لن يطلب %100 من الديون، لأن هذا هو الاتفاق قبل بدء عملية البيع.

- بالنسبة لسوق الانتقالات الحالية فسيدفع فيها بيتر ليم 60 مليون يورو...

- أخيرًا... بيتر ليم يضع كل هذه الأموال في اللحظة نفسها، أي كاش بدون تأخير والشيكات موجودة والحسابات البنكية حاضرة، هذا ما لا توفره باقي العروض.

كيف سينعكس هذا الأمر على الجانب الرياضي ؟



بات بإمكان فالنسيا أن يكون فريقاً قوياً في سوق الانتقالات .. يستطيع المزاحمة على الصفقات المميزة ويلتقط المواهب البازغة التي لم يكن يستطيع في بعض الأحيان جلبها لفارق بضعة ملايين بسيطة عن عروض أخرى.

وإن لم يستطع الفريق جلب الكثير من اللاعبين المميزين، فالأكيد أن النادي سيكون بإمكانه المحافظة أخيراً على نجومه، فعلى سبيل المثال بات أمر المحافظة على نجم كداني باريخو مسألة لا يمكن الجدال فيها حتى مع عروض بقيمة 25 مليون يورو من أندية كليفربول ونابولي ولم يعد الفريق بحاجة إلى بيع اللاعبين بشكل دائم للصرف على الانتقالات أو لخدمة الدين.

أما على المدى البعيد فإن فالنسيا قد يعود بقوة لمزاحمة كبيري الليجا -وربما في وقت أقرب من المتوقع- وذلك عندما تنتهي الأعمال الإنشائية في ملعبه "نو ميستايا" والتي ستُستأنف بمجرد بيع أرض الميستايا القديمة ما سيسمح للفريق بجمع أرباح من العملية التسويقية للملعب الجديد.

بالتالي فإن مستقبل الليجا ربما يجد فريقاً آخر قادر على إقلاق راحة ريال مدريد وبرشلونة بجانب أتلتيكو مدريد الذي صنع الحدث هذا العام.