"شعب مصر" تكشف أخطر أسرار "السرايا الصفراء"

"العقل نعمة" بدونها يصبح الإنسان لا فرق بينه وبين سائر المخلوقات.. ففاقد العقل يعيش الحياة متخبطًا، يقدم قدما ويؤخر أخرى، يلوح بيده يمنه ويسير لا يعلم ماذا يريد، تتحرك شفتاه بكلمات لا يعلم من بجواره معناها، هو وحده الذي يفهمها، مسكين ذلك الإنسان الذي حاصره المرض النفسي فيظل حبيسا هناك حيث المصحات النفسية التي أرتبطت في ذهن العامة بأمور لا تعدو –في أغلب الأحيان– تكهنات ربما وافقت الحقيقة.. ومستشفى الخانكة للأمراض النفسية او مستشفى "المجانين" كما يطلق عليها يسكن بها هؤلاء المرضى الذين لا يمكن التعامل معهم لانهم في حالة هياج مستمر ويخضعون لجلسات كهربائية علاجية و قد يضربون و يعزلون، وفي المستشفى بعض المتهمين في جرائم.


ذهبت "شعب مصر" لرصد الواقع وما يحدث خلف جدران "الخانكة"

في البداية، يؤكد الدكتور محمد سعيد مدير مستشفى الخانكة للأمراض النفسية، أن الناس قد تغيرت نظرتهم للمستشفى عن ذي قبل، فقد كان هناك اعتقاد ثابت أن المصحات النفسية مأوى للبلطجية وكل من أراد أن يهرب من تهمة و أستطاع الحصول على شهادة تثبيت ذلك ثم إيداعه في المصحة النفسية، و هذا وأن كان موجودا في عصور مضت إلا أن الأمور قد أختلفت عن ذي قبل، فمستشفى الخانكة بصفة خاصة ذاع صيته حتي لا تكاد تذكر مدينة الخانكة إلا ويربط الناس بينها وبين المستشفى، و ذلك يرجع لأنها المستشفى الوحيد الذى يشمل على عنبر المذنبين على مستوى الجمهورية.

ويضيف "سعيد" أن المستشفى قد حدث بها تغيير شامل منذ فترة فقد تم التعاقد مع شركة "وادى النيل" لتوريد و تركيب عدد من 2 مولد كهربائي أتوماتيك بتكلفة إجمالية تجاوزت 3 ملايين جنيه كما تم تطوير سبع عنابر، وتطوير شامل للحوائط و الأرضية وتجهيزها بأحدث الوسائل وذلك من إجمالي 30 عنبرا وجار التحديث لبقية العنابر.

مشكلة المياه في الخانكة

تقول الدكتورة "فاطمة بهنسي" رئيس فريق مكافحة العدوي بالمستشفى، أن نشاطها الأساسي هو القضاء على كل ما من شأنه إنتشار الأمراض وذلك بإتباع الأساليب الصحية والوقائية السليمة، مضيفة أن تعقيم الأدوات قبل الإستعمال والمعمل والتخلص الآمن للنفايات يعد أبرز ما يقوم به فريق المكافحة وأن هذه الأمور التى تبدو فرعية هي من أخطر الأسباب لإنتشار الأمراض التى لا تفرق بين دكتور و مريض أو عامل.

أما شعار "لا ضرر ولا ضرار"فقد رفعه الدكتور "أحمد أنيس" أحد أعضاء فريق مكافحة العدوي، مؤكدا أن مشكلة الملابس للمرضي أصبحت خطيرة فالمستشفى بها 1700 مريض و الميزانية لا تكفي لشراء ملابس بصورة منتظمة ولا تفي بمتطلبات التعقيم، و عليه فإن الفريق فى معظم الأحيان يتعامل بالإمكانيات المتاحة وهو ما قد يسبب ضررا فيما بعد، مضيفا أننا في حاجة لزيادة إعتماد الأمانة العامة لأعضاء جدد، فالمفترض أن يكون لكل 100 مريض عضو بينما الواقع أننا نعد على أصابع اليد الواحدة تقع عليهم مسئوليات الفريق بداية من التعقيم و أخذ عينات المياه لتحليلها وإنتهاء بالقضاء على المخلفات عن طريق حرقها بمحرقة بنها.

عنبر الرعب

وبلقائنا مع الدكتور "حسن بدوي" المسئول عن عنبر (9) و هو عنبر المودعين المذنبين أكد أنه أخطر عنبر بالمستشفى وذلك لأنه يختص بفئة معينة هي أخطر من غيرها، نافيا المبالغات التي يرددها البعض عن هذا القسم الذى أرتبط في أذهان الكثير بأنه عنبر الرعب، مضيفا أن العنبر يحوى 60 مريضا وأنه يختص بالمرضى حديثي الدخول للمستشفى و الذين لم تستقر حالتهم بعد و المتجهين فى الأقسام الأخرى على مستوى المستشفى و المرضي دائمي الخطورة عليهم وعلى الأخرين، واصفا الأشياء التي ارتبطت بهذا القسم قديما بأنها "تلك أمة قد خلت" فلا يودع فى القسم إلا الفئات المذكورة وتحت رعاية خاصة و بإذن المدير العام شخصيا وكذلك الخروج.

وانتقد الدكتور "حسن" قلة عدد الممرضين و خاصة داخل هذا القسم الأخطر قائلا نحتاج حسب المواصفات التى أقرتها المنظمة الصحة العالمية إلى 120 ممرضا بينما قوة التمريض الحالية داخل القسم 10 أفراد وهى لا تكفي بأي حال من الأحوال.

ومن جانبه أكد "عبد الحليم" مسئول التمريض بالقسم أن العنبر الآن أصبح مجهزا وبه غرفة للإجتماع إلا أننا مهددون بالموت في أى لحظة لعدم وجود عنصر الأمان الذى يعد أهم مطالبنا، ناهيك عن تأخر الإسعاف في حالة حدوث أى طارئ سواء للمريض أو للممرض داخل هذا القسم بالتحديد لصعوبة إجراءاته الأمنية المرتبطة به.

وأضاف "أحمد حسن" ممرض بعنبر ( 9 ) تعرضت لمحاولة القتل ثلاث مرات و ذلك لخطورة المرضى فمعظمهم متهم بقضايا جنائية قتل و سرقات و حرق منشأة عامة و خاصة، و إغتصاب وإتجار مخدرات وغيرها وهو ما يمثل خطورة في التعامل معهم في ظل عدم وجود عنصر أمان و قد زادت هذه الخطورة أثناء فترة الثورة، و التى تخلت فيها الداخلية عن القيام بدورها وعشنا أثنا عشر يوما هي أصعب أيام حياتنا نحمى بأنفسنا ولا نملك أن نتركه لخطورة وضعه فهو العنبر الوحيد الذى يحوى المذنبين على مستوى جمهورية مصر العربية ولذا كنا بمثابة دروع بشرية للحماية في الوقت الذى لا نملك فيه حماية أنفسنا.

ومن جانبه، أكد "محمد عزت" ممرض بعنبر المودعين، أن 75% من التغييرات بالقسم كانت بفضل قسم التمريض نتيجة التعامل الراقي و محاولة إحتواء المرضى و مشاكلهم فمعظمهم يعانون من ضلالات و إنفصام وهلاوس سمعيه و بصرية قد تدعوهم في أى وقت للإنتقام ممن أمامهم، مستنكرا البطئ الشديد فى البت فى أمر المريض المتروك منذ سنوات، موضحا أن المستشفى بها مرضى منذ أكثر من 30 عاما داخل العنبر.

المسرحيات النشاط الترفيهي "للمجانين"

يقول الأخصائي الإجتماعي "ياسرعبد القادر" مسئول مركز الإبداع لأنشطة التأهيلية والذى يعد من أبرز العاملين بالمستشفى أن دخول المريض إما أن يكون طوعيا بأن يأتي المريض بنفسه لأنه يشتكي بعض الأمور النفسية وهنا يخضع للعلاج حتي يتعافى والقانون يسمح له في هذه الحالة بالخروج بعد الإطمئنان عليه، أما النوع الأخر فهو الذى يشكل خطورة على نفسه أو على الأخرين وهو المريض الإلزامي ويخضع دخوله للإجراءات خاصة، ويعرض على لجنة ثلاثية للتأكد من حالته وأوراقه حتي نتجنب المساءلة، نافيا دخول أى مريض إلا أن يرتكب أى جريمة و يحاول التستر داخل المصحة هربا من العقوبة بدعوة أنه مريض نفسى كما كان يحدث قديما، مؤكدا أن ترك الأهل لذويهم وراء تأخر الشفاء وأن أهم أسباب الإيداع فيما مضى الحرمان من الميراث، ولخص "ياسر" دوره فى محاولة انسجام المريض مع الفريق العلاجي الذى يتعامل معه من وجهة وأهله وذويه من جهة أخري.

وعن النشاط الترفيهي داخل المستشفى أكد "ياسر" أننا قمنا بعمل أربع مسرحيات أبطالها من المرضى الذين تم تأهيلهم للقيام بأدوار البطولة وقدموا نماذج رائعة على مستوي المصحات النفسية، كما تم عمل دورات لكرة القدم تحت شعار "إيد واحدة" بالإشتراك مع الفرق الرياضية لمرضى العباسية و حلوان و المطار واستطعنا –بفضل الله– الفوز بالكأس، هذا بالإضافة إلى عمل جدريات رائعة على جدران المستشفى كل هذا بجهود المرضى ووفق الإمكانات المتاحة.

حقوق "المجانين" في السرايا الصفراء

ومن جانبه، أضاف أحمد سيد صبيح، عضو لجنة رعاية حقوق المرضى بالمستشفى، أنه قبل أن يصدر قانون الصحة النفسية الجديد 71 لسنة 2009 لم تكن هناك لجنة لرعاية شئون المرضى، فالقانون الجديد و المعمول به حاليا فى كل المصحات النفسية الحكومية والخاصة ركز على حقوق المرضى إلى أقصى درجة، مشيرا إلى أن المادتين 37 ، 36 تحوي بنودها على كل ما من شأنه رعاية حقوق المرضى دون أن يتعرض لأي ضغوط داخلية أو خارجية، منتقدا فى الوقت نفسه بعض مواد القانون التى تسمح بخروج المريض بعد تعافيه مهملا إمكانية الإنتكاس أو تحقيق ضرر بالآخرين مالم يتم دمجه إجتماعيا، معبرا أن هذه إحدي ثغرات القانون الجديد -على حد وصفه.

كما انتقد "صبيح" دور وزارة التضامن الإجتماعي متهما إياها بالتقصير وعدم التعاون بالشكل اللازم و أن الروتين الحكومي العقيم يحكمها ولم تطلها رياح التغيير، مشيرا إلى أن الوزارة لا تقبل البحوث الإجتماعية المقدمة لهم إليها إلا فى أضيق الحدود، و فى النهاية أكد "صبيح" حق المريض في إطلاق لحيته و هو تم بالفعل مع بعض الحالات مالم يكن الداعي لذلك أسباب مرضية.