«فريدة».. خائفة من السيسى!! نشوى الحوفى

توقفت كثيراً أمام سؤال فريدة ابنتى المفاجئ الذى لم أجد له إجابة فورية، رغم سنوات عمرها التى لم تجاوز التسع سنوات. كانت تنظر لى ببراءة عقب حديث طويل عن السيسى الذى تحتفظ له بصورة على باب غرفتها منذ ثورة 30 يونيو. قالت فريدة: «عارفة يا ماما، أنا بأحب السيسى أوى وشايفة إنه أحسن واحد ممكن يحكم مصر، بس خايفة يعمل زى ما مبارك ومرسى عملوا. يقولوا قبل الانتخابات إحنا بنحبكم ومش عارف حنعمل إيه، ونخلى مصر إيه، وبعد ما يقعدوا فى قصر الرياسة يتغيروا. أنا خايفة أحب السيسى بجد يا ماما! تفتكرى هو حيعمل كده؟». أصدقكم القول، باغتنى حديث ابنتى وسؤالها البسيط الصعب فى ذات الوقت. ليس فقط لأننى لا أمتلك له رداً، فالغيب فى علم الله، ولكن ربما لأن نفس السؤال يتردد فى ذهنى وأذهان كثيرين يؤيدون السيسى ويرون فيه علامة فارقة فى تاريخنا اليوم ولكن لا يملكون ضماناً لغدهم. ابتسمت لفريدة التى لا تترك سؤالاً لها هكذا بلا إجابة، وقلت لها: «انتِ شايفة إيه؟» فقالت ببراءة وهى تدّعى الفهم -شأنها شأن جيل كامل: «متهيألى مش حيعمل كده، لأنه كان ممكن يفضل زى ما هو فى الجيش ويسيبنا مع الإخوان من غير ما يتدخل. بس هو قوى وفاهم». هززت رأسى لابنتى التى أدركت فهمها بجد، وانصرفت لتساؤلاتى وشطحاتى التى ضربت رأسى بعد حديثها البسيط المعقد. وبدأت أتساءل بشكل أكثر عمقاً وأستدعى من إجابات الرجل فى جلستى معه ما يبعث فى نفسى الطمأنينة، لأدرك أن الضمانات لأى شعب فى تعاقده مع حاكمه لا تقتصر فقط على الدستور أو مواد القانون، فكل شىء قابل للتغيير، وسبحان من يغير ولا يتغير، ولكن على التنمية الحقيقية التى يمكن إحداثها فى المجتمع عبر تعليم وإعلام وثقافة، ومعها وقبلها إنتاج متضخم يمنع المواطن من عوز الحاجة ومد اليد، فيمتلئ بالكرامة والعزة مستنداً على مؤسسات حكم تدير الدولة بالكفاءات لا المعارف وأهل الثقة. كما تقوم على عدالة ناجزة عمياء لا تفرق بين ابن أكابر لص، وابن فقراء شريف. وتستند الضمانات، فيما تستند، على نخبة تدرك أن دورها لا يقتصر على الظهور أمام الكاميرات وتقعير المصطلحات لتتوه العامه فيها، ولا الجلوس فى المكاتب المكيفة والأبراج العالية لتزيد الفجوة بينهم وبين الناس يوماً بعد يوم، ولكن نخبة تدرك أن رسالتها التوعية والإفهام والتثقيف والتبصير والتحذير والحشد وقت الخطر والحاجة لأياد تبنى. نخبة قادرة على التحليل عن بصيرة لا عن هوى نفس أو تحيز مصلحة أو شهوة النفوذ والشهرة، لتكون للشعب حصناً وللحاكم جرس إنذار إن أخطأ وسنداً إن أصاب. وأعنى بالنخبة المثقفين والسياسيين والمفكرين والمؤسسات الدينية. وتكتمل الضمانات بضمير واعٍ للحاكم يعلم أن الزمن مهما طال.. قصير، وأنه مهما عاش.. راحل. وأن مقعد النفوذ والسلطان على قدر ما يمنحه من راحة وجاه وعيش رغد، فهو مُساءل عنه يوم الدين. وأن ما يعيش خلوداً هو خلق لا يفنى ومبدأ لا يتراجع وإنجاز للبشر يمنح الأمان للحاكم والمحكوم. وهكذا لا تخاف «فريدة» من حكم السيسى.